السنودس برلمان في خطر القس عيد صلاح

السنودس برلمان في خطر
القس عيد صلاح





مثل كل المؤسَّسات العامة في مصر، بعد ثورة 25 يناير، يواجه سنودس النيل الإنجيليّ هذه الأيام خطرًا حقيقيًّا حول منهجه واتجاهه نحو الديمقراطيّة، بل حول بقائه أيضًا واستمراره، ولعلّ الذي حضر الدورة الأخيرة لسنودس النيل 121 في القاهرة يشعر بالمرارة، ويحزن لما وصلنا إليه من فوضى في التفكير، وعدم السير وفق النظم والقواعد الديمقراطيّة السليمة والصحيحة.

ويبدو أنَّ هناك محاكاة بين ما يحدث في المجتمع وما يحدث في السنودس فنرى هناك مطالب فئويّة يتقدم بها البعض في بداية الدورة ليمارس بعض الأفراد ديكتاتوريّة أخرى فوق المجموع العام لنضيّع وقتًا في مطالب هي في الأساس واردة في جدول الأعمال للسنودس وآتية بطريقة كريمة عبر تقارير المجامع والمجالس واللجان المعنية.

وأيضًا بلا مقدمات خرج علينا الرئيس في بداية الدورة السنودسيّة ليفجِّر في خطابه قضايا حساسة وفي غاية الخطورة، لخلق توتر بين كيانات نحترمها ونقدّرها، ليضيّع هو الأخر على السنودس يومين كنا في أشد الحاجة إليهما لمعرفة ما آلت إليه أمور بلادنا، والتغيرات الحادثة، وما وصلت إليه، وكيف يكون لنا دور وحضور على الساحة المصريّة الآن ومستقبلاً.

وبين المطالب الفئويّة وخطاب الرئيس ضاع الوقت ولم يتبق وقت للدخول في جدول الأعمال، وفقدنا دورة ثمينة رجعنا من خلالها عشرين سنة إلى الوراء، لقد عمَّت الفوضى المجتمعيّة في مصر الآن طريقة التفكير في دورة السنودس، وبالتالي لا بد أن يعود السنودس إلى الأسّس البرلمانيّة التي كانت متبعى من قبل، والتي سار فيها زمنًا ضرب فيها جذورًا عميقة من الحوار الراقي، وللخروج من هذه الدوامة التي وقعنا فيها في دورة هذا العام أؤكد على الآتي:

1- التأكيد على وحدة الصف والكيان، وعدم خلق قضايا تفسد العلاقة بين الأجيال، فالكبار مع الشباب هم أعضاء في سنودس النيل الإنجيليّ، وليست هناك أيّة قيود على العضويّة، فالعضو مهما بلغ من العمر يَنتخب ويُنتخب، والمعيار الأساسي في النظم البرلمانيّة هو الكفاءة والتميّز، والحكم للقاعدة الموضوعيّة التي تختار من يمثلها، وبالتالي فالخدمات ليست حكرًا على أحد.

2- هناك فرق بين الديمقراطيّة والفوضى، الديمقراطيّة تعني الاحترام والتقدير وليس الغوغائيّة، النظام وليس الفوضى، الهدوء وليس التشويش، قوة الرأي وليس العضلات أو الصوت العالي، المساءلة وليس التسيّب، الخضوع والاحترام وليس العصيان، والاستماع للأخر وليس الانفلات. وفي هذا السياق كتب مرسي عطالله في الهرام في عموده اليوميّ كل يوم في 24 مايو 2011 ص 12 هذه الكلمات: «يخطئ من يظن أنَّ الديمقراطية-تحت رايات الثورة-توفر الحق في الافتراء باسم حرية التعبير أو ترديد روايات لا أساس لها من الصحة باسم الحق في ملاحقة الفساد لأن الديمقراطيّة هي الحقيقة، وليست الأكاذيب، وهي الاستقرار وليست الفوضى...وليس أخطر على الديمقراطيّة في أي وطن أن يجري توظيفها لتسميم الضمائر وإفساد العقول وزرع بذور الشك في النفوس وهز إيمان الناس بقوتهم وقدرتهم.» وواصل بالقول: «إنَّ بعض ما يُكتب ويقال في هذه الأيام يؤدي إلى إفراز جو من الحيرة والبلبلة لدى المواطن الذي لا يدري ما الذي يصدقه والذي لا يصدقه نتيجة هذه الفجوة العميقة والمخيفة من عدم الثقة ومن الشك في كل شئ!»

3- عدم اختراق جدول الأعمال تحت ما يُسمّى بنقطة النظام، أو الزج بقضايا ليست مطروحة للنقاش. ومهمة رئيس الجلسة صعبة للغاية في هذا المجال إذ هو وحده قادر على ضبط أداء الجلسة وفق اللائحة والأحكام.

4- من المهم معرفة كيف تصاغ القرارات، فالوصول إلى القرار يأتي من خلال المناقشة والتي يتحول منها إلى تكوين أراء، ثم الرأي يتحول إلى اقتراح، والاقتراح يؤخذ عليه الملاحظات، ثم يتحول إلى قرار بعد أخذ الأصوات عليه. لا بد أن يتعلّم عضو السنودس هذا لكي يكون قادرًا على صنع قرار، وفي نفس الوقت مشاركًا بإيجابية في صنع القرار مع الآخرين.

5- ديكتاتوريّة الفرد مثل ديكتاتوريّة الجماعة وكلاهما مرفوضان، والحل الأمثل هو في فكر الجماعة معًا، لا يسيطر عليها شخص مهما سمت قدراته، ولا تسيطر عليها جماعة مهما كانت قوة هذه الجماعة.

6- مايُشاع حول الشلليّة والتربيطات أمر يتنافى مع فكر وحكم الديمقراطيّة، ويضع الجميع تحت حكم وفكر الوصاية، نعم هناك اتجاهات فكريّة تؤمن بالتعدد والتنوع، ولكن ليس لدينا أحزاب أو شلل، والذي يفكِّر بهذه الطريقة واهم وأسير لخرافات سياسيّة مضى عليها الزمن. والذي يروج لهذا الفكر هو بعيد كل البعد عن الموقف الحالي للسنودس.

7- الانضباط والإلتزام بالنهج الديمقراطيّ يلزم الجماعة بقيم كثيرة مثل الموضوعيّة وهي تكمن في الفصل بين الرأي والشخص، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. والأقليّة تخضع للأغلبيّة. بالإضافة إلى المساءلة والشفافيّة، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب.

8- لا يجوز طرح أحكام استباقيّة في بداية الدورة السنودسية، كما لا يجوز التشخيص المسبق على بعض التجاوزات بإطلاق كلمة «الفساد» ما لم يثبت هذا ضمن تحقيقيات منضبطة وحياديّة، لأنَّ إلقاء التهم جزافًا يعكر صفو الحياة البرلمانيّة، ويعطي انطباعًا منافيًا للحقيقة والواقع. خطورة الأحكام الاستباقيّة أنها تساعد في كثرة الشائعات. وقد أصاب السنودس هذا العام أنَّه أحال قضايا كثيرة للتحقيق والبعض منها للجان مفوضة.

إنَّ سنودس النيل الإنجيليّ برلمان في خطر، ولا بد له أنْ يتجاوز هذا الخطر الكامن في تفتيته ككيان. ولكن التأكيد على الدور والرسالة خير ضمان لبقاء هذا البرلمان متحديًا كل المخاطر التي تواجهه. وهذا بالفعل يحتاج إلى تضامن كل الأعضاء معًا الكبار مع الصغار، الحكماء وأهل الخبرة مع الشباب في زرع عامل الثقة بين أعضاء السنودس، كما أنَّنا نحتاج إلى معهد يتبناه السنودس، أو دورات تدريبيّة لتعليم الأعضاء معنى الديمقراطيّة في الحياة البرلمانيّة، وكيفية الحضور الفعَّال دون ضوضاء أو انسحاب. وكيف يكون لاجتماعاتنا السنودسيّة صدى طيب على الكنائس المحليّة.

لقد كنا أحوج ما يكون في هذه الدورة للسنودس إلى التركيز على الخطاب السياسيّ المبدع والخلاق والذي يكِّرس الأمكانيات والرؤي حول المستقبل بدلاً من النبش في سجلات الماضي برؤية ماضويّة ضيقة تجاوزناها منذ زمن.

بعد انتهاء دورة السنودس سألني صحفي شاب ما هي القرارات الهامة التي اتخذها السنودس هذا العام لمصلحة الكنيسة والوطن لكي أكتب عنها تحقيقيًا صحفيًا؟ لم استطع الإجابة عليه، ولم استطع تجميل الموقف، فالتزمت الصمت! ألم أقل: إنَّ السنودس برلمان في خطر!