جذر العبادة
مركز إعداد الخدام - مقدمة فى رؤية العبادة المسيحية و فن قيادة التسبيح
إن الأساس الثابت للعبادة و جذر منشأها كان موجوداً قبل أن يخلق الكون و ما فيه و قبل حتى أن توجد الملائكة . إننا نراه فى طبيعة العلاقة بين الآب و الإبن فى ذات الله الواحد .
فبينما " الآب و الإبن متساويان فى الجوهر تساوياً مطلقاً ( فهما ذات واحده ) , إلا أنهما متمايزان و كل منهما له الصفة الذاتية التى تميزه . فالآب تميزه الأبوة و الإبن تميزه البنوة و لكن هاتين الصفتين تعودان فتتحدان اتحاداً كلياً بالمحبة المتبادلة بين الآب و الإبن . فالآب بالمحبة الكاملة يمنح كل ماله للإبن ( يو 3 : 35 ) , و الإبن إذ يأخذ كل ما للآب يعود فيطيع الآب فى كل ماله طاعة مطلقة , و هذه الطاعة البنوية المطلقة التى يقدمها الإبن للآب هى التعبير العملى لمفهوم محبة الإبن نحو الآب ( يو 14 : 31 ) فالإبن أطاع على قدر حبه للآب و أحب على قدر طاعته للآب . " (1)
و الآب إذ يحب الإبن حباً كاملاً مطلقاً , نجده أيضاً يمجد الإبن تمجيداً كاملاً مطلقاً أزلياً ( يو 17 : 24 ) , ( يو 17 : 5 ) . كذلك الإبن فى محبته للآب و طاعته الكاملة له نجده يمجد الآب تمجيداً كاملاً مطلقاً أزلياً ( عب 1 : 3 ) , ( فى 2 : 11 ) . و هذا المجد المتبادل بين الآب و الإبن و المحبة القائمة بين الآب للإبن و الإبن للآب و كذلك الطاعة المطلقة التى يقدمها الإبن للآب كتعبير عن كمال محبته له , هى جميعها من صميم طبيعة الله الأزلية الأبدية .
و هذه الطبيعة الإلهية التى ظلت سراً مكتوماً منذ الأزل فى ذات الله الواحد مثلث الأقانيم , كانت هى الأصل و الجذر الذى منه نبتت كل عبادة لله فى الخليقة فحينما يتقدم المخلوق لعبادة الخالق , فإنما يعبده بحسب ما يرتضيه الخالق وفقاً لطبيعته و فكره و ليس بحسب ما يستحسن المخلوق ( تك 4 : 3-5 ) . و عليه تصبح العبادة - من حيث الفكر و المضمون – ما هى إلا صدى ً و مردوداً لطبيعة و فكر الخالق . و قد بدأ الله فى الإعلان عن طبيعته للبشرية , منذ فجر التاريخ , يوم أن خلق آدم و حواء و أودعهما جنة عدن . و ظل الله يقود البشرية , جيلاً بعد جيل , إعلاناً تلو إعلان , بواسطة الرسل و الأنبياء , فى تدرج حكيم * . حتى يستطيع العقل البشرى أن يستوعب تدريجياً , فكر الله و مشيئته من جهة علاقته بالإنسان . إلى أن جاء الإعلان الأكبر , و الذى من خلاله أتضحت الرؤية أمامنا و كمل إعلان الله عن ذاته لنا من خلال إبنه الوحيد – إبنه المتجسد – فى إرساليته العظيمة للعالم .
إرسالية الإبن
و قد جاءت إرسالية الإبن فى نزوله من السماء و تجسده من العذراء ( يو 8 : 42 ) و إتمامه عمل الفداء ( يو 17 : 4 ) , كأسمى و أعظم إعلان عن طاعة الإبن للآب ( عب 10 : 9 ) . و من جهة أخرى فإن الإبن من خلال تجسده " ظل يمارس عمله الأقنومى الأزلى من جهة تمجيد الآب , و إنما علناً بالقول و العمل على مستوى الإنسان . فإرسالية المسيح إلى العالم التى انتهت بالصليب كانت امتداداً لعمل الإبن منذ الأزل من جهة تمجيد الآب , إنما ما كان يتم سراً بين الإبن و الآب فى ذاتهما أعلنه المسيح جهاراً للعالم بالقول و العمل و الحب و الطاعة حتى الموت . فصار كل قوله و كل عمله و كل حياته على الأرض و كل آلامه و موته أخيراً فعلاً واحداً متصلاً لتمجيد الآب ( يو 17 : 4 ) . " (2)
و المسيح كونه ( بهاء مجد الله ) ( عب 1 : 3 ) , و فى نفس الوقت هو أيضاً ( نور العالم ) ( يو 8 : 12 ) . فهو إذن ( الوسيط الوحيد بين الله و الناس ) ( 1تى 2 : 5 ) . و هو قد جاء ليهبنا ( بصيرة لنعرف الحق ) ( 1يو 5 : 20 ) . و نحن إذ نؤمن بالإبن و نتحد به , تصير لنا هذه البصيرة و الإستنارة الروحية التى بها نعرف الله . كذلك فإن بإتحادنا بالإبن نصير أبناء الله لأنه ( كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله ) ( 1يو 5 : 1 ) , " لأن الثبوت أو الاتحاد بالإبن هو دخول فى سر البنوة . و كل من يحصل على البنوة لله يوهب بالتالى روح المحبة و الطاعة عينها التى فى المسيح بطبيعتها الإلهية السخية الباذلة , ليصبح قادراً بالتالى أن يحب و يطيع الله كإبن له . " (3)
أيضاً باتحادنا بالإبن , تشتعل قلوبنا يالأشواق العميقة و يمتلىء كياننا بالإرادة الفاعلة المؤثرة لإعلان مجد الله فى كل الأرض . و هذه المحبة البنوية , و الطاعة البنوية , و الإرادة القوية لإعلان مجد الله فى كل الأرض , هى جميعاً مكونات الأساس الثابت الذى عليه تقوم كل عبادة تقدمها الكنيسة اليوم لله . و هى أيضاً طبيعة العبادة التى ترضى الله , و تتفق مع طبيعته الأزلية و أيضاً مشيئته الأزلية من نحو البشر .
منقول عن خدمة رؤية التسبيح و العبادة المسيحية