هل الزواج سر كنسي ..؟

هل الزواج سر كنسي ..؟
القس إيهاب سمير
بدأ الصراع بين علاقة الكنيسة، والقوانين المدنية فى قضية الزواج والطلاق يأخذ ذروته في الآونة الأخيرة، وذلك نتيجة أن كلاً من الطرفين يرى أن له الحق الأكبر في ذلك الوضع الاجتماعي .. بل في بعض الأحيان ترى الكنيسة من جانبها أن لها الحق الوحيد في ذلك، مبررة بأن قدسية الزواج لا تأتى إلا من خلال «سر الزيجة» – أحد أسرار الكنيسة السبع، في المقابل يرى أصحاب القوانين المدنية أن لهم الدور الأكبر، لما يترتب على الزواج من حقوق والتزامات على المجتمع كله سواء داخل المسيحية أم خارجها.. مما يدفعنا بأن نرجع إلى مفهوم الزواج فى ضوء كلمة الله التى هى الدستور الوحيد النافع للإيمان والأعمال بحسب إيماننا الإنجيلى (وعبارة «الدستور الوحيد» لا تعنى أننا نتجاهل قوانين الدولة فى ذلك، وإنما أقصد أن الحديث هو من الناحية الروحية أو من منظور الله).

وهذا يدفعنا للبحث عن إجابة للسؤال: هل الزواج سرْ كنسي أم ماذا...؟



ولكي نصل إلى أجابه حقيقية لهذا السؤال، لابد لنا أن نقف أمام بعض النقاط الهامة مثل:

1- مفهوم كلمة «سرْ» عند الكنائس التقليدية وأرتباطه بالكهنوت.

2- مفهوم كلمة «سرْ» في الكتاب المقدس وخاصة عند الرسول بولس.

3- ما هو دور الكنيسة فى الزواج؟.

أولاً: مفهوم كلمة «سرْ» عند الكنائس التقليدية وأرتباطه بالكهنوت...

إن كلمة «سرْ» في مفهوم الكنائس التقليدية مرتبط بالأمر السحرى أو المعجزي.. بمعنى أنه نتيجة تدخل شخص له مواصفات وصلاحيات معينة «الكاهن»، ومن خلال صلاة هذا الشخص يحدث تغيير معجزى فى الشئ أو الشخص الذى يصلى عليه هذا الكاهن، وهذا التغيير يحدث بطريقة غير مفهومه، ليتحول الشئ من حالة إلى حالة أخرى ربما تكون مضادة تماماً، وهذا واضح في «سرْ المعمودية» مثلاً.. حيث أنه نتيجة صلاة الكاهن (المؤهل لأجراء هذه الصلاة أو المعجزة)، ينزل الطفل المعَّمد بخطاياه الموروثة إلى الماء فيخرج من الماء طاهراً من تلك الخطايا.. فقد حدثت له معجزة داخل الماء نتيجة صلاة الكاهن.

وبالمثل فى حالة الزوجين اللذين يقفان أمام الكاهن فيضع يديه عليهما ويصلى لهما فى صلاة الإكليل، فتحدث لهما معجزة من السماء لتربطهما برباط مقدس مبارك من الله من خلال صلاة هذا الكاهن، ولا تحدث إذا قام بالصلاة مؤمن آخر غير الكاهن.

وهكذا فى باقى أسرار الكنائس التقليدية يحدث نفس الشئ، وبالتالي فمفهوم كلمة «سرْ» في هذه الكنائس يعنى حدوث شئ معجزى نتيجة صلاة الكاهن.

وبهذا يفهم أن هذه المعجزات أو الأسرار لا يمتلكها أحد إلا من اجتازوا الحياة الدنيوية وأصبحوا كهنة نتيجة ممارسات كنسية معينة تقوم بها الكنائس التقليدية دون سواها، وتلك الممارسات تعطى لهؤلاء الأفراد مكانة خاصة وصلاحية لهذا الأمر.

حتى الذين وضِعَتْ عليهم الأيدى فى الكنائس غير التقليدية (كنائسنا الإنجيلية)، ليس لهم هذه الصلاحية، ولذلك تعتبر الكنيسة الأرثوذكسية أن الزواج الذى يقوم أمام القساوسة المرتسمين خارج كنيستهم إنما هو علاقة غير مقدسة تتساوى بالزنى أو بالزواج العُرفي.

فـ «سرْ الزواج» أحد أسرار الكنائس التقليدية مرتبط بالكهنوت، وحسب نظرهم لا يجب أن يحدث إلا داخل الكنيسة وعلى يد كاهن.

ثانيا: مفهوم كلمة «سرْ» في الكتاب المقدس وخاصة عند بولس الرسول...

من الناحية الأخرى (أي الكتابية)، فإن للكتاب المقدس مفهوماً آخر لهذه الكلمة»μυστηριον»، وهذه الكلمة جاءت فى العهد الجديد حوالى 28 مرة (4 فى سفر الرؤيا، 3 في الأناجيل، 21 في رسائل بولس الرسول)، وهى لا تعنى شيئاً غير مفهوم أو شيئاً معجزياً وأنما شئ مخفى وقد أعلن بواسطة شخص ما فى وقت ما.

فالمعجزة شئ غير مفهوم أما الشئ المخفى فهو شئ مفهوم، لكن ليس بواضح فى وقت معين.. وقد يأتى الوقت ويتم الإعلان عنه ويفهمه الجميع.

هذا المعنى ربما يكون واضحاً فى مجموعة الأسرار التى تحدث عنها الرسول بولس فى رسائله، فهو أكثر شخص فى العهد الجديد تحدث عن كلمة «سرْ»، وأوضح ان هناك أشياء كثيرة كانت مخفية عند الله، ولأن «سر الرب لخائفيه... مز 25: 14»، فالله أعلن هذه الأسرار التى كانت مخفية عن عيون شعب الله فى العهد القديم إلى خائفى الرب الذين هم فى المسيح يسوع فى العهد الجديد... فقد تحدث الرسول بولس عن العديد من الأسرار مثل:

1- سر التجسد 1تى 3: 14 – 16

2- سر دخول الأمم لشعب الله رو 11: 25 – 30، أف 3: 1 – 13، 6: 18 – 20، كو 1: 19 – 29

3- سر قبول ورفض كلمة الله 2تس 2، 1تى 3: 9

4- سر الأختطاف 1كو 15: 51 – 58، 1تس 4: 16 – 18

5- سر ارتباط المسيح بالكنيسة أف 5: 22 – 33

وفى هذا النص الأخير تحدث بولس الرسول عن أمرين: الأول هو اتحاد المسيح (الرأس) بالكنيسة (الجسد)، والثاني هو اتحاد الرجل (الزوج) بالمرأة (الزوجة)، وعندما تحدث عن الأول، اعتبر أن هذا الأمر هو سر وذلك لليهود وللأمم.

فاليهود في تاريخهم كله كان الله يتكلم إليهم من خلال وسطاء، إما الآباء أو الأنبياء أو الملائكة وبالرؤى وبالأحلام أو بصوت لا يرى أحد المتكلم فيه.

والأمم كانت لديهم فلسفة غنوسية تنادى بأن «المادة شرّْ» وبالتالي لا يمكن لله القدوس أن يرتبط بالإنسان الذى اعتبرته تلك الفلسفة أن جسده ( كماده ) شر، وقد استبدلوا الله بينهم بالآلهة الوثنية والأصنام والشمس والقمر والعجل آبيس... الخ

وبالتالي عاش الناس جميعاً قبل المسيح لا يخطر على بالهم أنهم يوماً ما سوف يجدون الله بينهم ويتحد بهم، وعندما حدث هذا فى المسيح يسوع فكان ذلك ليس فقط «سراً» وإنما «سر عظيم»

والجدير بالذكر أن عبارة (سر عظيم) ذكرت فقط مرتين الأولى فى سر التجسد والثانية هنا فى سر أتحاد المسيح بالكنيسة.

فعندما ذكر الرسول بولس كلمة سر فى الآية 32 «هذا السر عظيم»، لم يقصد به الزوج والزوجة وأنما قصد به المسيح والكنيسة.. وحتى فى لغتنا العربية هذا المعنى واضح جداً دون أدنى اشتباه فى كلمة (ولكنى) «هذا السر عظيم ولكننى أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة»

فعندما تحدث بولس هنا عن السر قصد به زواج الكنيسة من المسيح وليس زواج المرأة من الرجل.

ثالثاً: ما هو دور الكنيسة فى الزواج...

من كل ما سبق نرى أنه ليس للكنيسة دور فى قدسية العلاقة بين الزوج والزوجة ولا الإتحاد بينهما، بل أننا فى كل الكتاب المقدس بعهديه لا نرى وجوداً لمراسيم دينية حدثت فى أى زواج، وحتى في عرس قانا الجليل الذى حضره شخص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح لم يذكر وجود رجل دين يهودي، ولا المسيح نفسه قام بأى مراسم أو حتى قراءة نص من العهد القديم أو وعظ أو نصح أو أى شئ من مثل ذلك

إذاً فما هو دور الكنيسة فى الزواج المسيحي..؟

وأنا فى نهاية هذه الكلمات أضع أمام القارئ العزيز أهمية دور الكنيسة فى بعض النقاط المبنية على كلمة الله وأيضاً بحسب الخبرة الرعوية فى ذلك وهى:

1- الكنيسة لها الدور الأول والمهم فى تقديم رسالة الخلاص والفداء لأبنائها وبناتها، حتى عندما يتزوجان يكونان «في الرب... 1كو 7: 39» أو بمعنى آخر «في الإيمان»، وهذا له معول كبير على أستقرار ذلك البيت، «فإن لم يبن الرب البيت فباطل يتعب عمل البناؤون... مز 127: 1»، و «إن لم يُبنى البيت على الصخر (صخر الإيمان بالمسيح) فسيكون سقوط ذلك البيت عظيماً أمام المشكلات والتحديات التى تقابل أسرنا وبيوتنا.

2- الكنيسة لها دور آخر فى تقديم المشورة للزوجين قبل الزواج من خلال مساعدة الطرفين فى كيفية اختيار شريك الحياة بطريقة صحيحة، وكذلك في المبادئ الأساسية المسيحية الكتابية فى الحياة المشتركة بينهما وبين الوالدين وأبنائهما بما جاء من نصائح وتعاليم فى كلمة الله.

3- الكنيسة لها دور الأرشاد أيضاً والنصح بعد الزواج فى الحياة الجديدة التى يدخلها الطرفان دون خبرة كافية لما فيها وما عليها وذلك من خلال حكمة وخبرة قادة الكنيسة وخدامها فى ضوء كلمة الله ومتطلبات العصر.. فالكنيسة هنا بمثابة الدعم الحقيقى لاحتياجات البيت المسيحى روحياً واجتماعياً ونفسياً وتربوياً.

4- الكنيسة يجب أن يكون لها دور واضح فى التعاليم التى يتلقاها أفراد الأسرة والتى تؤَّمِن استقرار حياة هؤلاء الأفراد فى كيفية التواصل بينهم وتخطي أزمات الحياة.

5- الكنيسة لها الدور الهام فى قبول الأسرة بكاملها فى عبادة حقيقية وعلاقة صحيحة بين الأسرة ككل وبين الله الذى سبق وأعَّدَ بإرادته الصالحة اجتماع الزوج والزوجة ومنحهما عطية الأبناء وكل الخيرات الروحية والمادية.

6- الكنيسة لها الدور الهام فى تحقيق الحياة الأفضل التى أرادها الله لكل فرد فى الأسرة، كذلك مساعدة الزوجين على أن يكونا مطابقين للنموذج السامى وهو (المسيح والكنيسة).

وبهذا تدرك الكنيسة أن الله هو الذى سبق ووحد بين قلبي الرجل وامرأته، وكذلك قدس هذه العلاقة بينهما لأنها «في الرب» ومؤسسة على «الإيمان» وتسير بحسب» تعاليم الكتاب المقدس» منقادة بالنموذج الكامل «المسيح والكنيسة»

وندرك أن الكنيسة هى البيئة الصالحة التى يتعامل فيها الأفراد بحسب ما أراد الله منهم، كذلك هي المصحة التي يجد فيها الأسر المتصارعة شفاءها وحلول مشكلاتها.

فيا كنيستي الإنجيلية تأكدي من أنكِ تقومين بدوركِ الحقيقى نحو كل بيت سيتكون فى المستقبل القريب أو البعيد، كذلك نحو الأسر التى تحتاج إليك لتعبري إليها وتعينيها فى مشكلات الحياة الصعبة، بما لا يجور على أحد من أفراد تلك الأسرة

والرب يعينكِ فى رسالتِكِ هذه حتى ترى فى كل بيت من بيوت أبنائك «الكنيسة التي في بيتهما».